فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقوْل المؤمن الذي أصابه الغم: {لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ} [الأنبياء: 87] أي: لا مفزع لي سواك، ولا ملجأ لي غيرك {إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين} [الأنبياء: 87] اعتراف بالذنب والتقصير، فلعل ما وقعتُ فيه من ذنب وما حدث من ظلم لنفسي هو سبب هذا الغم الذي أعانيه.
وعجبتُ لمن مُكر به، كيف لا يفزع إلى قول الله تعالى: {وَأُفَوِّضُ أمري إِلَى الله} [غافر: 44] فإني سمعت الله بعقبها يقول: {فَوقَاهُ الله سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ} [غافر: 45] فالله تبارك وتعالى هو الذي سيتولى الرد عليهم ومقابلة مكرهم بمكره سبحانه، كما قال تعالى: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله والله خَيْرُ الماكرين} [آل عمران: 54]. وعجبتُ لمن طلب الدنيا وزينتها صاحب الطموحات في الدنيا المتطلع إلى زخرفها كيف لا يفزع إلى قوله تعالى: {مَا شَاءَ الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله} [الكهف: 39] فإني سمعت الله بعقبها يقول: {فعسى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ} [الكهف: 40].
فإن قلتها على نعمتك حُفظتْ ونمَتْ، وإن قلتها على نعمة الغير أعطاك الله فوقها. والعجيب أن المؤمن الفقير الذي لا يملك من متاع الدنيا شيئًا يدل صاحبه الكافر على مفتاح الخير الذي يزيده من خير الدنيا، رغم ما يتقلّب فيه من نعيمها، فمفتاح زيادة الخير في الدنيا ودوام النعمة فيها أن نقول: {مَا شَاءَ الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله} [الكهف: 39].
ويستطرد المؤمن، فيُبيِّن لصاحبه ما عَيَّره به من أنه فقير وهو غني، وما استعلى عليه بماله وولده: {إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا} [الكهف: 39].
ثم ذكّره بأن الله تعالى قادر على أنْ يُبدِّل هذا الحال، فقال: {فعسى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ}. وعسى للرجاء، فإن كان الرجاء من الله فهو واقع لا شكَّ فيه؛ لذلك حينما تقول عند نعمة الغير: {ما شاء الله لا قوة إلا بالله} يعطيك الله خيرًا مما قُلْت عليه: {ما شاء الله لا قوة إلا بالله}، وإن اعترفتَ بنعمة الله عليك ورددْت الفضل إليه سبحانه زادك، كما جاء في قوله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7].
فقوله: {فعسى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ} [الكهف: 40] أي: ينقل مسألة الغنى والفقر ويُحوّلها، فأنت لا قدرة لك على حفظ هذه النعمة، كما أنك لا قدرةَ لك على جَلْبها من البداية. إذن: يمكن أنْ يعطيني ربي نعمة مثل نعمتك، في حين تظل نعمتك كما هي، لكن إرادة الله تعالى أن يقلبَ نعمتك ويزيلها: {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السماء} [الكهف: 40] هذه النعمة التي تعتز بها وتفخر بزهرتها وتتعالى بها على خَلْق الله يمكن أنْ يرسلَ الله عليها حُسْبانًا.
والحُسْبان: الشيء المحسوب المقدَّر بدقّة وبحساب، كما جاء في قوله تعالى: {الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5] والخالق سبحانه وتعالى جعل الشمس والقمر لمعرفة الوقت: {لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب} [يونس: 5] ونحن لا نعرف من هذه عدد السنين والحساب إلا إذا كانت هي في ذاتها منضبطةً على نظام دقيق لا يختلّ، مثل الساعة لا تستطيع أنْ تعرفَ بها الوقت وتضبطه إلا إذا كانت هي في ذاتها منضبطة، والشيء لا يكون حسبانًا لغيره إلا إذا كان هو نفسه مُنْشأ على حُسْبان.
وحَسب حُسْبانًا مثل غفر غفرانًا، وقد أرسل الله على هذه الجنة التي اغترَّ بها صاحبها صاعقة محسوبة مُقدَّرة على قَدْر هذه الجنة لا تتعدَّاها إلى غيرها، حتى لا يقول: إنها آية كونية عامة أصابتني كما أصابت غيري.. لا. إنها صاعقة مخصوصة محسوبة لهذه الجنة دون غيرها.
ثم يقول تعالى: {فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40] أي: أن هذه الجنة العامرة بالزروع والثمار، المليئة بالنخيل والأعناب بعد أن أصابتها الصاعقة أصبحتْ صَعيدًا أي: جدباء يعلُوها التراب، ومنه قوله تعالى في التيمُّم: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43] ليس هذا وفقط، بل {صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40] أي: ترابًا مُبلّلًا تنزلق عليه الأقدام، فلا يصلح لشيء، حتى المشي عليه.
{أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)}.
{غَوْرًا} أي: غائرًا في الأرض، فإنْ قُلْت: يمكن أنْ يكونَ الماء غائرًا، ونستطيع إخراجه بالآلات مثلًا، لذلك يقطع أمله في أيِّ حيلة يفكر فيها: {فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} [الكهف: 41] أي: لن تصل إليه بأيِّ وسيلة من وسائلك، ومن ذلك قوله تعالى في آية أخرى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَّعِينٍ} [الملك: 30].
لاحظ أن هذا الكلام من المؤمن لصاحبه الكافر مجرد رجاء يخاطبه به: {فعسى رَبِّي} [الكهف: 40] رجاء لم يحدث بَعْد، ولم يصل إلى إيقاعيات القدر. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37)}.
قوله: {مِن نُّطْفَةٍ}: النُّطْفَةُ في الأصل: القطرةُ من الماء الصافي يقال: نَطَف يَنْطِف، أي: قَطَر يَقْطُر. وفي الحديث: «فخرجَ ورأسُه يَنْطِف» وفي رواية: يَقْطُر، وهي مفسِّرةٌ، وأُطْلِق على المَنِّيِّ {نُطْفَةٌ} تشبيهًا بذلك.
قوله: {رَجُلًا} فيه وجهان، أحدهما: أنه حال، وجاز ذلك وإنْ كان غير منتقلٍ ولا مشتقٍ لأنه جاء بعد {سَوَّاك} إذ كان مِنَ الجائز أَنْ يُسَوِّيَه غيرَ رجلٍ وهو كقولِهم: خَلَقَ اللهُ الزَّرافةَ يَدَيْها أطولَ من رجليها وقول الآخر:
3163- فجائت به سَبْطَ العظام كأنما ** عِمامتُه بين الرِّجالِ لواءُ

والثاني: أنه مفعولٌ ثانٍ لـ: {سَوَّاك} لتضمُّنِه معنى صَيَّرك وجعلك، وهو ظاهرُ قول الحوفي.
{لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)}.
قوله: {لَّكِنَّا هُوَ الله رَبِّي}: قرأ ابنُ عامر بإثباتِ الألفِ وَصْلًا ووَقْفًا، والباقون بحذفِها وصلًا وبإثباتها وقفًا. فالوَقْفُ وِفاقٌ.
والأصلُ في هذه الكلمةِ لكنْ أنا فَنَقَلَ حركةَ همزةِ أنا إلى نون لكن وحَذَفَ الهمزةَ، فالتقى مِثْلان فأدغم. وهذا أحسنُ الوجهين في تخريجِ هذا. وقيل: حَذَفَ همزةَ أنا اعتباطًا فالتقى المِثْلان فَأَدْغَمَ، وليس بشيءٍ لجَرْيِ الأولِ على القواعدِ، فالجماعةُ جَرَوْا على مُقْتَضَى قواعدِهم في حَذْفِ اَلِف أنا وَصْلًا وإثباتِها وَقْفًا، وكان تقدَّم لك: أنَّ نافعًا يُثْبت ألفَه وَصْلًا قبلَ همزةٍ مضمومةٍ أو مكسورة أو مفتوحة بتفصيلٍ مذكورٍ في البقرة، وهنا لم يُصادِفْ همزةً، فهو علىصلِه أيضًا، ولو أثبتَ الألفَ هنا لكان أقربَ مِنْ إثباتِ غيرِه لأنه أثبتها في الوصلِ في الجملةِ.
وأمَّا ابنُ عامرٍ، فإنه خَرَجَ عن أصلِه في الجملة؛ إذ ليس من مذهبهِ إثباتُ هذه الألفِ وَصْلًا في موضعٍ ما، وإنما اتُّبَعَ الرسمَ. وقد تقدَّم أنها لغةُ تميمٍِ أيضًا.
وإعرابُ ذلك: أن يكونَ أنا مبتدأ و{هو} مبتدأ ثانٍ، و{هو} ضمير الشأن، و{اللهُ} مبتدأ ثالث. و{ربي} خبر الثالث، والثالث وخبره خبرُ الثاني، والثاني وخبرُه خبر الأول. والرابطُ بين الأولِ وبين خبرِه الياءُ في {ربي}. ويجوز أَنْ تكونَ الجلالةُ بدلًا مِنْ {هو} أو نعتًا أو بيانًا إذا جُعِلَ {هو} عائدًا على ما تقدَّمَ مِنْ قولِه: {بالذي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ} لا على أنَّه ضميرُ الشأنِ، وإن كان أبو البقاء أطلق ذلك، وليس بالبيِّن. ويجوز أَنْ يكونَ {هو} مبتدأً، ومابعده خبرُه، وهو خبرُه خبرُ لكنَّ. ويجوز أَنْ يكونَ تأكيدًا للاسم، وأَنْ يكونَ فصلًا. ولا يجوزُ أَنْ يكونَ ضميرَ شأنٍ، لأنه حينئذٍ لا عائدَ على اسمِ لكنَّ من هذه الجملةِ الواقعةِ خبرًا.
وقرأ أبو عمروٍ {لكنَّهْ} بهاءِ السكت وقفًا؛ لأن القَصْدَ بيانُ حركةِ نون أنا، قتارةً تُبَيِّنُ بالألفِ وتارةً بهاءِ السكتِ.
وعن حاتم الطائي: هكذا فَرْدِي أَنَهْ.
وقال ابنُ عطية عن أبي عمرو: رَوَى عنه هارون {لكنَّه هو الله} بضمير لَحِقَ لكن. قلت: فظاهر هذا أنه ليس بهاءِ السكتِ، بل تكون الهاءُ ضميرًا اسمًا لـ: لكن وما بعدها الخبرُ. وخَرَّجه الفارسيُّ على وجهٍ غريبٍ: وهو أَنْ تكونَ لكنَّا لكنَّ واسمَها وهو ن، والأصل: لكنَّنا فحذف إحدى النونات نحو: {إِنَّا نَحْنُ} وكان حقُّ التركيبِ أن يكون ربنا، {ولا نُشرك بربِّنا} قال: ولكنه اعتبر المعنى فأفرد.
وهو غريب جدًّا.
وأمَّا في قراءةِ العامَّة: فلا يجوزُ أَنْ تكونَ لكنَّ مشددةً عاملةً لوقوعِ الضمير بعدها بصيغةِ المرفوع.
وقرأ عبدُ الله {لكنْ أنا هو} على الأصلِ من غير نَقْلٍ ولا إدغامٍ. ورَوَى عنه ابن خالويه {لكنْ هو الله} بغير أنا. وقرئ أيضًا {لكنَنَا}.
وقال الزمخشري: وحَسَّن ذلك-يعني إثباتَ الأفِ في الوصلِ- وقوعُ الألفِ عوضًا مِنْ حَذْفِ الهمزةِ. وقال: ونحوُه-يعني إدغامَ نون لكن في نون ن بعد حَذْفِ الهمزةِ- قولُ القائل:
3164- وتَرْمِيْنَنِيْ بالطَّرْفِ أَيْ أنت مُذْنِبٌ ** وتَقْلِيْنني لكنَّ إياكِ لا أَقْلِيْ

الأصل: لكنَّ أنا، فَنَقَلَ وحَذَفَ وأَدْغم. قال الشيخ: ولا يتعيَّنُ ما قاله في البيت لجوازِ أَنْ يكونَ حَذَفَ اسمَ لكنَّ، وحَذْفُه لدليلٍ كثيرٌ، وعليه:
3165- فلو كنتَ ضَبِّيًّا عَرَفْتَ قَرابتي ** ولكنَّ زَنْجِيُّ عظيمُ المَشافِرِ

أي: ولكنَّك، وكذا هنا: ولكنَني إياك. قلت: لم يَدَّعِ الزمخشريُّ تعيُّنَ ذلك في البيت حتى يَرُدَّ عليه بما ذكره.
ويَقْرُبُ مِنْ هذا ما خَرَّجه البصريون في بيتٍ استدل به الكوفيون عليهم في جوازِ دخولِ لامِ الابتداء في خبر لكنَّ وهو:
3166-....................... ** ولكنَّني مِنْ حُبِّها لَعَمِيْدُ

فأدخل اللامَ في خبر لكنَّ. وَخَرَّجه البصريون على أن الأصل: ولكنْ إني مِنْ حُبِّها، ثم نَقَلَ حركةَ همزةِ إنِّي إلى نون لكن بعد حذف الهمزة، وأَدْغَمَ على ما تقدَّم، فلم تدخلِ اللامُ إلا في خبر إنَّ، هذا على تقديرِ تسليمِ صحةِ الروايةِ، وإلا فقالوا: إنَّ البيتَ مصنوعٌ، ولا يُعرف له قائلٌ.
والاستدراكُ مِنْ قوله: {أكفرْتَ}، كأنَّه قال لأخيه: أنت كافرٌ؛ لأنه استفهامُ تقريرٍ، لكنني أنا مؤمنٌ نحو قولِك: زيدٌ غائبٌ لكنَّ عمرًا حاضرٌ لأنه قد يُتَوَهَّمُ غَيْبَةُ عمروٍ أيضًا.
قوله: {ولولا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ}: {لولا} تحضيضة داخلةٌ على {قلتَ} و{إذ دَخَلْتَ} منصوبٌ ب {قلتَ} فُصِلَ به بين {لولا} وما دَخَلَتْ عليه، ولم يُبالَ بذلك لأنه ليس بأجنبي، وقد عَرَفْتَ أنَّ حرف التحضيض إذا دخل على الماضي كان للتوبيخ.
قوله: {مَا شَاءَ الله} يجوزُ في {ما} وجهان، أحدُهما: أَنْ تكونَ شرطيةً، فتكونَ في محلِّ نصبٍ مفعولًا مقدمًا وجوبًا ب {شاء} أي: أيَّ شيءٍ شاء اللهُ. والجواب محذوف، أي: ما شاء الله كان ووقَعَ. والثاني: أنها موصولةٌ بمعنى الذي، وفيها حينئذٍ وجهان، أحدهما: أن تكونَ مبتدأةً، وخبرُها محذوفٌ، أي: الذي شاءه اللهُ كائنٌ وواقعٌ. والثاني: أنها خبرُ مبتدأ مضمرٍ تقديرُه: الأمرُ الذي شاءه الله. وعلى كلِّ تقديرٍ: فهذه الجملة في محلِّ نصب بالقول.
قوله: {إِلاَّ بالله} خبرُ {لا} التبرئةِ، والجملةُ أيضًا منصوبةٌ بالقولِ، أي: لولا قُلْتَ هاتين الجملتين.
قوله: {إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ} يجوز في {أنا} وجهان. أحدُهما: أنْ يكونَ مؤكِّدًا لياء المتكلم. والثاني: أنه ضميرُ الفصلِ بين المفعولين. و{أَقَلَّ} مفعولٌ ثانٍ أو حالٌ بحسبِ الوجهين في الرؤية: هل هي بَصَريةٌ أو عِلْمِيةٌ؟ إلا أنَّك إذا جعلتَها بَصَريةً تعيَّن في {أنا} أَنْ تكونَ توكيدًا لا فصلًا؛ لأنَّ شرطَه أَنْ يقع بين مبتدأ وخبرٍ، أو ما أصلُه المبتدأُ والخبرُ.
وقرأ عيسى بن عمر: {أَقَلَّ} بالرفع، ويَتَعَيَّن أن يكونَ {أنا} مبتدأ، و{أقلُّ} خبرُه. والجملةُ: إمَّا في موضعِ المفعولِ الثاني، وإمَّا في موضع الحال على ما تقدَّم في الرؤية.
و{مَالًا وَوَلَدًا} تمييز. وجوابُ الشرطِ قولُه: {فعسى رَبِّي}.
{فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40)}.
قوله: {حُسْبَانًا}: الحُسْبانُ مصدرُ حَسَب الشيءَ يَحْسُبه، أي: أَحْصاه. قال الزجاج: أي عذابَ حُسْبان، أي: حسابَ ما كسبت يداك. وهو حسن. وقال الراغب: قيل: معناه نارًا وعذابًا، وإنما هو في الحقيقة ما يُحاسَبُ عليه فيُجَازَى بحَسَبِه وهذا موافقٌ لِما قاله أبو إسحاق، والزمخشري نحا إليه أيضًا، فقال: والحُسْبانُ مصدرٌ كالغُفْرانِ والبُطْلانِ بمعنى الحِساب، أي: مقدارًا حَسَبه الله وقَدَّرَه، وهو الحُكْمُ بتخريبِها. وقيل: هو جمع حُسْبانة وهي السَّهْمُ. وفي التفسير: أنها قِطَعٌ مِنْ نارٍ. وفيه: هي الصواعِقُ.
قوله: {أَوْ يُصْبِحَ}: عطفٌ على {يُرْسِلَ} قال الشيخ: و{أو يُصْبِحَ} عطفٌ على قوله: {ويُرْسِلَ} لأنَّ غُؤُوْرَ الماءِ لا يَتَسَبَّبُ عن الآفةِ السماويةِ، إلا إنْ عَنَى بالحُسْبانِ القضاءَ الإِلهيَّ، فحينئذٍ يتسَبَّبُ عنه إصباحُ الجنة صعيدًا زَلَقًا، أو إصباحُ مائِها غَوْرًا.
والزَّلَقُ والغَوْرُ في الأصلِ: مصدران وُصِف بهما مبالغةً.
والعامَّة على فتحِ الغين. غار الماءُ يغورُ غَوْرًا، غاض وذهب في الأرض. وقرأ البرجميُّ بضمِّ الغين لغةً في المصدر. وقرأتْ طائفةٌ {غُؤْورًا} بضمِّ الغينِ والهمزةِ وواوٍ ساكنة. وهو مصدرٌ أيضًا يُقال: غار الماءُ غُؤْورًا مثل: جَلَسَ جُلوسًا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

قال التستري:
قوله: {قُلْتَ مَا شَاءَ الله لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله} [39].
أي ما شاء الله في سابق علمه، لا يقف عليه أحد إلا الله تعالى، {لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله} [39] أي لا قوة لنا على أداء ما أمرتنا به في الأصل، والسلامة منه في الفرع، والخاتمة المحمودة إلا بمعونتك، وكذا تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: «لا حول ولا قوة إلا بالله» أي لا حول عن السلامة من الجهل في الأصل، ومن الإصرار في الفرع إلا بعصمتك ولا قوة لنا على أداء ما أمرتنا به في الأصل والسلامة منه في الفرع والخاتمة المحمودة إلا بمعونتك.
وسئل سهل: ما أفضل ما أعطي العبد؟ قال: علم يستزيد به افتقارًا إلى الله عزَّ وجلَّ. اهـ.